علَّمَني...قلة الأدب!!
بقلم: هنادي الشيخ نجيب
يقولون: ( إبدأ بالمهام الصعبة، وستنقضي المهام السهلة وحدها!)...لذلك اخترت أن أحدثكم اليوم عن السهل الممتنع...وهو السهل الذي قصّرنا فيه كلّنا، وبسبب هذا التقصير، امتنع النجاح عنّا، وتعقّدت كثير من أمورنا، ولم نعد نستطيع قضاء لا الأمور الصعبة ولا حتى الأمور السهلة!!!
ولعلّنا هنا نطرح تساؤلاً يعيد إلى أذهاننا بعض التوازن:
ترى، إذا لم نقدر على إنجاز أعمالاً عظيمة، أفلا نستطيع أن نمارس أعمالاً صغيرة، ولكن بشكل متقن وعظيم؟!
وقبل أن نجيب عن هذا الطرح، أودّ أن أذكّر بالقاعدة التي تقول: ( اعمل بذكاء، أفضل من أن تعمل بجهد فقط!!).
هو رجل يخرج من بيته كلّ صباح، ليشتري صحيفته المفضلة من الكشك الصغير على زاوية الشارع مقابل بيته. يلقي التحية على البائع، ثم يأخذ الجريدة ويدفع ثمنها ويخرج، دون أن يحظى- إطلاقاً- بردّ من البائع! واظب الرجل على عادته وقتاً طويلاً، برغم عدم اكتراث صاحب الكشك به.
راقب أحد الجيران الرجل عدة مرات وهو يتودد إلى البائع دون جدوى. استفزّه الحال، وأراد أن يعلّق عليه، فاستوقف الرجل ذات يوم وسأله مستغرباً:
(لماذا تسلّم على صاحب المحل يومياً، مع أنني لاحظت أنه لم يرد عليك ولا مرة واحدة؟!)، استفهمه الرجل: ( وما الغريب في ذلك؟)، قال الجار: (الغريب هو إصرارك على إلقاء التحية والهشّ والبشّ في وجهه رغم جفائه وقلة اهتمامه؟!)، فاستفسر الرجل: ( وما هو السبب برأيك في أنه لا يرد؟!)، أجاب الجار بتلقائية: (أرى أنه- وبلا أدنى شك- رجل قليل الأدب، وهو لا يستحق منك أن تسلّم عليه أو أن تهتمّ به!)
فما كان من الرجل إلا أن استأنف مبتسماً: ( وهل تريد مني أن أتعلّم منه قلّة الأدب، أم أن أعلّمه الأدب؟!)...
قرّاءنا الكرام، لقد تمثّل الرجل في القصة القاعدةَ النفسية الآتية:( من الصعب جداً أن تهزم إنساناً لا يستسلم بسهولة!)، فكيف وهو يتمسّك بمكارم الخُلق، وقد حاز بها قصب السّبق؟!
وإذا أردنا أن ننزل على أرض الواقع، لنصف حالنا مع بعضنا، فأعتقد جازمة،وقد سمعتها مراراً وتكراراً؛ بأنّ التوصيف المطابق لوضعنا هو أنّنا نعاني من قلة أدب ونقص في الأخلاق!!
وإلاّ فلماذا ذهبت صولتنا وجولتنا؟!
الجواب تجدونه في قول أحمد شوقي رحمه الله:
وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإذا هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا!
وما علينا-إذاً- إلا أن نقوم بالتالي:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا!
نعم، إنّ المشكلة أن الكل يريد تغيير كل شيئ حوله، بينما لا أحد يريد تغيير نفسه! وننسى في خضم هذه المعضلة أنّ واجب كل واحد فينا أن يكون هو التغيير الذي يحلم أن يراه في الآخرين...
أيليق بنا -والحال كذلك- أن نتغافل عن أحاديث نبيّنا صلى الله عليه وسلم في الخلق الحسن؟!
ألم تعد تهزّنا؟ تحرّكنا؟ تحفّزنا؟
وإذا كنّا نحسبها بالورقة والقلم، وبالحسنة والسيئة، ونفكّر بالميزان، في كل أوان، فلم لا نجعل حديث رسولنا صلى الله عليه وسلّم الفيصل في الموضوع؟؛ ألم يقل عليه افض الصلاة والسلام:
(ما من شيئ أثقل في الميزان من حسن الخلق)؟!
وللذين يرددون المثل الشائع: ( الضحك بلا سبب، قلة أدب)، أريد أن ألفت عنايتهم إلى قول القائل: ( الابتسامة بلا سبب، قمة الأدب)، وشتّان بين القلة والقمة، مع سهولة الوصول إلى الأولى وصعوبة الارتقاء إلى الثانية!
إنّنا نريد أن نغيّر واقعنا من (قلة الأدب) إلى ( قمة الأدب)، فلنستعن بالله ولا نعجز، فإنه ىالسهل الممتنع، ولا حرج علينا أن نبدأ بالحدّ الأدنى من المعاملة الحسنة:
فإن لم ننفع، فلا نضرّ...
وإن لن نُفرِح، فلا نُحزِن...
وإن لم نمدح، فلا نذمّ...
فتعالوا- قرّاءنا الأكارم- نبدأ رحلة التغيير بالابتسامة بلا سبب، حتى ولو كانت أسباب "التكشير" تملأ جنبات الأرض، ثم نتمسّك بالخلق الحسن، ونُصِرّ على تعليمه للناس؛ فقمّة الأدب، محال أن تُكْتَسب، إلا بالثبات والدأب...
1 comment
1 ping
سعيد بن غرم الله الغامدي
18/11/2017 at 11:05 ص[3] Link to this comment
مقال جيد يستحق الإشادة والمتابعة
بورك قلمك الناضج بفكرك المتواضع