لص في الأقبية.
للكاتبة نوف سمرقندي
تنهمر أولويات الفكر بالمعرفة الذاتية والتي لاتقف على مبدأ “السير وحيدا” وإنما تثبت أوتادها على عجلة البحث المستمر عن كل المعرفة المرجوه والمسخرة للعقل المتجدد والذي لديه القدرة على فض بكارة الحقائق وتحويلها الى شذرات ضوء تعلن خصوبة العلم ومدى تدفقه في انحاء متعددة فالتدفق الفكري ليس ملكة خاصة هو نوع من الإستبصارالعقلي يرافقه جهد بحثي وتراكمي يصدره العقل الباحث فيصبح هذا العقل أشبه بمادة ضوء تسطع في كل فكر ويسطع نورها في كل الأرجاء ..
وإذا أردنا دعم هذه الأولويات فعلينا الا نستجلب التعليم كمادة جاذبة لهذا النوع من العقول فهناك فرق بين العلم والتعلم
ومعروف أن العلم بحر لا مجاز له والتعليم عبارة عن مجموعه من المفاهيم المحدودة المكتسبة لغاية ما..
لذلك لايحقق مفهوم المعرفة الحر ولاينشيء العقل الباحث بنقيض العلم الذي يفتح أفاقه على مصراعيها لطالبه ،
وهناك نوع من العلوم يحقق مفهوم العلم المطلق..لايلتزم بحد ولا يخضع للمنهجية مثل علوم الفلسفة والفكر..
وعندما نتحدث عن استيفاء مناهج التعليم الإلزامي لن نجد ماده تتصل بشكل مباشر مع واقعها المرجو ولا تستوفي بمتطلباته فهي تلزم المتعلم بالمحدوديه على مستوى المعلومة والفكر أي أن ملكة الإبتكار والتحليل وفتق المعلومة تقف في ثبات عجيب كإشارة مرورية تمنع العقل من السير في مستويات المعرفة المتاحة والغير متاحة ..
لأن طقوس الإلزام هي بحد ذاتها معارف أوليه وذات طقس موحد تنهمر في لحظات الأداء وقياسها لذلك كان للتعليم طقوسه المحددة التي مابرحت دائرة الملل والسأم في دوران متكرر عصي على البحث والخروج عن هذا المسار ..
فلم نتنبه لخطورة هذا المدار والذي يتصف بالكثافة المفرغه على العقل الإدراكي الذي أصبح يدور أيضا في حلقه مفرغه من احداثيات هذا العقل ..
ولو نظرنا الى المخرجات بعدسنوات من الجهد الدوراني لن نجد سوى صورة نمطيه واحده لكل العقول التي اتسمت فطرياً بنعمة الإختلاف ولو انها ظلت بلا تعليم واعتمدت على التعليم البدائي لأنتجت فكرا أكثر ديناميكية من الفكر الحالي ..
فالتعليم الحالي في حدوده الضيقة والتي لاتتبنى موجهات الفكر مهما اتسعت لغاته سيظل قاصرا عن أن يحقق أي قفزات فكرية تثري قوميته ومجتمعه..
لذلك أصبح هناك ضرورة لكسر القوالب الحاليّه واعتماد المجالات الفلسفية لتحرر من هذا الجمود الذي أصبح سمة تلتصق بفكر ومفردات الشعوب فالبحث عن الثراء الإدراكي يتلخص في كلمتين هما “محبة الحكمة” وهي الترجمة العربية للكلمة اليونانية الفيلسوفيا ولها شقين فيلو وتعني محبة سوفيا تعني الحكمة
“محبة الحكمة” وليس امتلاكها ..
لأن الإمتلاك قد يكون ضمن الدوائر السقيمة التي تحدثنا عنها راهنا وهي تضمن مسار الثبات المعلوماتي..
ولكن مفهوم الحكمة حتى في التاريخ الإسلامي يعني البحث عن الحقيقة وتبناها فيلسوف العرب الأشهر إبن رشد في أشهر مؤلفاته والتي ترمدت كنوع من إطفاء جذوة الحقيقة ولكن من يسعى الى تعتيم الفكر هو الباحث عن شرارة الجهل ليشعل بها مزارات غايته..
فالحقيقة بالرغم من نبذها هي المساحة الوحيدة القابلة للإتساع على كل مستويات المعرفة الحقيقيه وطالما أنه لايوجد محدوديه في العلم فلا ضير من العقل الباحث .. “وقل ربي زدني علما” فهو أكثر طراوة وأفق من العقل الدائري الذي يدور في مضماره المتأخر مهما تقدم به الزمن والذي لن يكون متصالحا مع معطيات الزمن المتسارعه . وبدورانه المعهود لن يكون سوى مستقبلا ً وقابلا للتعبئة والسرقة ..
فلا نستنكر وجود ذلك اللص في الأقبية الذي يعنيه سرقة العقول الغضه بدس أدواته في مستقبلاتها …
نحن بحاجة لعقل مسلح لا تجتذبه الأهواء السقيمة عقل حر باحث عن وجوده ومنطقه الخاص…
لذلك لم تخرج الفلسفة على مر الأزمان عن عمادها العقل والمنطق وهما أساس التفكير السليم وهو ماأجمع عليه فلاسفة الماضي سقراط وأرسطو..
لذلك ليس من المستساغ رفض آليات الفكر السليم ..والتي تدعوا الى الوفاق الأخلاقي والثراء الإنساني وبثها في كل شؤون الحياه العلمية والإبداعية ..
ومن غير اللائق في فترة عمريه متأخرة من عمر الزمن وثورته الفكريه أن نحرم فكرا قامت عليه حضارات العالم فكم نحن بحاجة الى عقول تعيد صياغة الأفكار التحليله..
وتستلهم المعرفة لترد هزائم العقل السابق..التي شطرت العالم الى أحادي وثنائي ولَم تجد مفرق ولا حلول توحد الإنسان.. ..
فوقعت في حيرة الإشكال وحيرة الوجود ..
ولن تتوفر لياقة هذا الفكر بغير الفلسفة وجعلها مادة إلزامية في كل مراحل التعليم الإلزامي ..بمستوياتها الأولية والمتقدمة ..
والتي بدورها تثري هذا العقل الإدراكي وتنتشي بأفكاره المتجددة..