
مدينة عبري .. مدينة من إسمها يتلخص تاريخها العريق وتشهدُ تربة أرضها على كل خُفٍ وحافِر وأثر عبر عليها ، تُعد معبراً للقوافل التجارية والحِراك الإنساني الكثيف قديماً حيث تم تسميتها ووصفها بـ ” أرض السر ” ، ما أن تصل القوافل على تلك الأرض الساحرة والمضي قُدما بمساحات صحاريها الواسعة المتصلة بالربع الخالي حتى يتسائلُ أصحاب تلك القوافل فيما بينهم ” ألم نعبُر بعد ” أي ألمْ نصل أو ألمْ تنتهي تلك المساحة الساحرة التي عبرناها .
مدينة عبري مدينة البوابة الغربية لـ سلطنة عُمان بموقعها الإستراتيجي الحدودي المرتبط مع كل من أشقاءنا بالمملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة ومفترق طرق العبور قديماً وحاضراً كمركز أساسي ممتد تجارياً وإقتصادياً بين السلطنة ودول الخليج العربي في شبة الجزيرة العربية والمُدن الداخلية للسلطنة براً ، تتوسطها الأسواق القديمة التي تشكلت بطرازها المعماري الإسلامي القديم وأعتمد عليها العابرون والقاطنون بها منذ الأزل ولا زال منها شامخ بحلتها القديمة المستحدثة والمستخدمة حاليا كأسواق رئيسية للمدينة ومَعلماً حضارياً هاماً ومحطة إقتصادية وسياحية نشطة .
مدينة عبري مدينة التاريخ والآثار الشامخة الصامدة إلى يومنا هذا آثارها تعود للعصر البرونزي حسب التنقيبات الأثرية وعليه تم تسجيلها بمنظمة اليونِسكو ضمن التراث العالمي كشهادة لتواجدها منذ تلك العصور القديمة ، ولا زالت المدينة تخفي الكثير من تلك الآثار التي يتم إكتشافها يوماً بعد يوم ، حيث كانت بالمدينة قرية تاريخية نموذجية للتعايش تحيط بها البساتين تُسمى الغبـّـي مسوّرة بالحجارة ومحصنة بالأبراج وبها قصر وحصون بهندستها الرائعة يسكنها أولي الأمر ومسجد للعلم والتدارس أخرج منها الكثير من العُلماء والأئمة العظام ، وبتلك القرية متناغمة مع كل ما ذكرناه من أثر مساكن أهل القرية دلالة على حضارتها المتشعبة وعبق تاريخها .
مدينة عبري المدينة الحصينة بحصونها الشهيرة التاريخية كحصن عبري الواقع وسط المدينة مشيداً قرب سوقها القديم حيث يعود تاريخ عمر بناء الحصن حسب المؤرخين إلى ٤٠٠ سنة وبه أكبر جامع من الطراز القديم فقد بني هذا المسجد على هندسة عجيبة حيث أن السقف فريد من نوعه قد بني بالحصى المشدود كتحفة عجيبة ، وحصن العراقي بوسط قرية العراقي الذي يتميز بأبراجه الشامخة المُطلة على المدينة بأكملها ، وحصن السليف ذات الأبراج السبعة أشهرها برج الريح المبني على سفح الجبل بسورهِ الكبير منذ زمن الأئمة اليعاربة ، وحصن العينين الذي تغنى به الشعراء بكلماتهم قديما لروعة هندسته وفنه المعماري وأُطلق عليه بيت العينين ويُعد من أقوى البيوت التاريخية الدفاعية تحصينا ، وحصن ريمي الحصن الدفاعي واللوجستي في تلك الحقبة التاريخية القديمة يعود بناءه للقرن السابع عشر ، ومن الحصون المشهورة بمدينة عبري كذلك حصن الأسود وحصن بيت العود وحصن بيت القرن وحصن الدريز وقلعة الافلاج وحصن المعمور .
مدينة عبري مدينة الأثر فكل من عبر أو قطن بها ترك أثراً لا يزال يحاكينا عن تواجدهم في أرض تلك المدينة العريقة ، ومن أقدمها آثار قرية بات التي ترسم لنا صورة عجيبة بفكر من سكنها قديماً ، وهي عبارة عن مدافن مستديرة الشكل كخلايا النحل متفرقه مبنية من الداخل كجدار ومن الخارج تزينت بالحجارة المربعة المصففة بشكلها الدائري المقبب ، حيث يتغير نمط تلك المدافن إلى نمطين أولهما ما ذكرناه شبيهةٌ بخلايا النحل والأخرى المتمثلة كمقابر حضارة أم النار ، وتلك المدافن حسب موقعها الأثري بها أهمية غير عن أنها إرث عظيم وتحفة جمالية على الأرض بل كانت ملتقى الطرق للقوافل التجارية القديمة من وإلى المواقع الأخرى .
مدينة عبري مدينة العيون والأفلاج عيونها وأفلاجها المائية هي المُغذي الرئيسي للمدينة وأهلها لتسقي وتنمي بساتينها ومزارعها الفتانة المظهر المنظمة ، لا تخلو قرية إلا بها عين ماء عذب ويجدر بي أن أذكر عين السخنة على إنفراد والتي تتميز بمياهها العذبة الباردة في فصل الصيف على عمق يتراوح المترين والساخنة الدافئة في فصل الشتاء حيث يرتاد السياح عليها دون إنقطاع ، وعين الملاحة التي تتميز بوجود منبعين للماء أحدهما عذب والآخر مالح ومن الغريب بتلك العين أنها باقية على نفس مستوى منسوب الماء منذ نشأتها حتى الآن دون إنقطاع وعلى مدار السنوات .
مدينة عبري مدينة كهف الكتان الذي يبهرك برونقه ولمعانه الشديدان وكأنها قطعة رخام متكاملة منحوته وأطلق عليه ” الكهف الرخامي ” ويتميز بتشكيلاته الجيولوجية الجميلة والنقوش الصخريه ،
مدينة الجبال والصحراء الممتدة من صحراء الربع الخالي المنفردة بجمالياتها ، ومن المعالم الطبيعية السياحية جبل مشط فمن تسميته نعلم بأن للتضاريس دوراً هاماً في تشكيلته التي تشبه أسنان المشط ويحبذها الأغلبية في ممارسة هواياتهم متسلقين عبر أسنان ذاك الجبل المميز ، ولا يقل عنها روعة وتناغماً جبل كاواس وجبل السد وجبل النمر .
مدينة عبري المدينة ( الواعدة ) الإجتماعية المنسجمة والمتناغمة ما بين التمدن والأرياف والحياة البدوية التي ترسم صورة جمالية ونموذجاً خليطاً تسرُّ وتُبهر كل من زارها وتعايش مع سحر طبيعة مجتمعها الجذّاب المتعايشة بعاداتها وتقاليدها ونشاطتها وفنونها الشعبية وحرفتها التقليدية مُنذ القِدم ، حيث يتواجد في مدينة عبري ما يقارب ٢٤٤ قرية مأهولة وتبعد عن العاصمة مسقط بحوالي ٣١٠كم أي ما يقارب السفر لها عبر الطرق المعبدة الحديثة بالمركبة ثلاث ساعات ، بالحفاوة والحب يستقبلك وادي ضم حُسن المنظر الذي يأسرك ويضمك ويحتويك بين ذراعيه وأنت تتوسط مجراه مُرحباً بك في مدينة عبري .
الكاتب : طـارق الصابري
سلطنة عُـمـان
1 comment
1 ping
هند
30/04/2018 at 12:41 م[3] Link to this comment
احسنت استاذي على التشويق لزيادة معالم عبري