اتخذت الحكومة البورمية في العام الماضي خطوات حقيقية تهدف إلى إنهاء الوجود الروهنغي من البلاد؛ حيث اتخذت الحرب على المتمردين حسب زعمها عنوانا وغطاء لعملياتها العسكرية في ولاية أراكان، وفي هذا الإطار سعت الحكومة إلى تحويل الولاية لساحة حرب مفتوحة من خلال تكثيف الهجمات العسكرية وإشعال النيران في المناطق الروهنغية؛ بهدف إجبار الروهنغيا على ترك الوطن تنفيذا لمخطط شارك في إعداده مسئولون في الجيش ورهبان بوذيون متطرفون.
وبناء على هذا التصور صادقت السلطات المسئولة في الولاية على قرارات جديدة لبناء مستوطنات ومعسكرات في القرى الروهنغية بدعم من حكومة “سوشي” التي تزعم أنها ماضية في فرض الأمن وسيادة القانون، وأنها تسعى إلى المضي قدما نحو الديموقراطية.
التصعيد البورمي في أراكان :
كشفت الأحداث التي توالت بعد أحداث عام 2012م عن سوء النوايا البورمية ومحاولتها إفشال الجهود الدولية في حل أزمة الروهنغيا؛ فيما اعتبر مراقبون هذا التصعيد محاولة لحشر الشعب الروهنغي في النفق المظلم. والهدف منه إحداث سيناريوهات جديدة لإجبار الروهنغيين على القبول بخيارات الحكومة.
نقطة الصفر :
استخدمت السلطات البورمية في هجماتها على القرى الروهنغية آلات حربية ثقيلة وشتى أنواع الوسائل الإجرامية؛ لضرب التماسك الروهنغي في الداخل، وزراعة أشخاص مرتزقة يعملون لصالح الاستخبارات البورمية، وهكذا استطاعت الحكومة إجبار أكثر من مليون ونصف روهنغي على النزوح نحو بنغلاديش في وقت قصير وفترات متقاربة.
وبحكم التعتيم الإعلامي المفروض على ولاية أراكان ومنع السلطات لوسائل الاعلام من الدخول إلى المناطق التي تشن فيها عمليات عسكرية؛ شرعت السلطات في عمليات محو الأدلة والوثائق وتصفية الشهود وإزالة آثار الحرب وهدم المعالم الأثرية الروهنغية بغرض القضاء على الهوية الروهنغية.
ويرى مراقبون أن الحكومة البورمية كانت تبحث عن فرص تمكنها من فرض خياراتها على الروهنغيين، وأن إخلاء القرى الروهنغية من سكانها ونزوح أكثر من نصف مليون روهنغي إلى بنغلاديش كانت خطة محكمة ومؤامرة دبرتها الحكومة لإرجاع الروهنغيين إلى نقطة الصفر.
العودة بمفهوم بورمي :
اضطرت الحكومة البورمية بعد الإدانات الدولية وانكشاف واقعها الإجرامي على تغيير تكتيكها المعهود في ملف اللاجئين الروهنغيين الذين يعيشون في بنغلاديش؛ حيث لجأت إلى عقد اتفاقيات مع بنغلاديش بخصوص إعادة اللاجئين بالكيفية البورمية التي يلتف الغموض حولها في وقت تعمل فيه السلطات البورمية على بناء مخيمات في أراكان لاستقبال اللاجئين.
ويؤكد سياسيون ومراقبون للوضع البورمي على ضرورة إشراف الأمم المتحدة على عملية نقل اللاجئين، وأن الآلية المتبعة يجب أن تكون سلسة واضحة للمجتمع الدولي
وذهب آخرون بالقول إن عملية نقل اللاجئين يجب أن تكون وفق اللوائح الدولية لا أن تقررها حكومة بورما، والأمم المتحدة قادرة على التنفيذ.
آلية مستقلة لمقاضاة قادة الحرب :
في ظل مطالبات بإحالة قادة الحرب ضد الروهنغيا إلى محكمة الجنايات الدولية ومقاضاة المتآمرين والمسؤولين عن الانتهاكات والجرائم بحق الأطفال والنساء والمدنيين في المناطق الروهنغية؛ يحث المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وممثل الأمم المتحدة الخاص المعني بالعنف الجنسي في حالات النزاع المجتمع الدولي؛ على إنشاء آلية مستقلة ومحايدة لدعم التحقيقات في الجرائم الوحشية المرتكبة ضد الروهنغيا في ولاية أراكان.
ويرى مراقبون أن هناك أدلة دامغة تثبت تورط قادة الجيش في الانتهاكات الإنسانية، وأن المليشيات البورمية المنتشرة في أراكان تتلقى دعما من قادة الجيش والرهبان المتطرفين أصحاب النفوذ في الدولة .
