يشتكي مجموعة من نشطاء شمال الطاسيلي في بلدية برج عمر ادريس بولاية اليزي جنوب الجزاير ، مما يصفونه ب “التهميش المقصود والتقصير المتواصل على مستوى مختلف الهيئات الإدارية المخولة في المجال الثقافي والسياحي إزاء الثروات السياحية والثقافية التي تكتنزها البلدية”. وقد جاء في رسالة تقرير توجه به مكتب برج عمر ادريس للمنظمة الوطنية لترقية المجتمع المدني
ان برج عمر إدريس آهلة بصنوف متعددة منها “برج فلاتيرز” العتيق الذي يعتبر ذاكرة تاريخية منسية يتهددها التلف والاندثار. البرج يحمل اسم القائد الفرنسي فلاتيرز الذي قتل من قبل التوارق في مهمة استكشافية لتيماسينين وقد اكتمل انجازه في 14افريل 1904 وكان مقرا للقيادة الفرنسية في المنطقة ثم استعمل عشية الحرب العالمية الأولى 1939 كمقر للقيادة العامة الصحراوية الشرقية بالنظر لموقعه الجيو استراتيجي . و قد عرف الموقع عدة توسيعات وإصلاحات عميقة الى أن تحول الى سجن للمعتقلين السياسيين ومركزا لتعذيب ثوار المنطقة وظل تحت سيطرة القوات الفرنسية الى غاية أوت 1963 تنفيذا للبنود التي أسفرت عنها اتفاقيات ايفيان وبعد ذلك تم تسميته :ببرج عمر إدريس تخليدا لذكرى الشهيد الرائد محمد إدريس والمدعو ثوريا بعمر إدريس.
ظل البرج تحت الوصاية الإدارية لوزارة العدل التي واصلت العمل به كسجن منذ الاستقلال الى غاية العام2001 حيث بدأت تركيبته البنائية تشكل خطرا على المسجونين بفعل تعرضها للتآكل مما أدى ببعض أجزائه الى التشقق أو الانهيار. و يعتقد اهل البلدة ان هذا المعلم بمثابة غنيمة حرب مؤهلة بشكل مستحق الى التصنيف في مراكز متقدمة ضمن التراث العالمي وهو ما سيجعل منه وجهة سياحية هامة يقصدها السياح ورواد الآثار من مختلف بقاع الدنيا لاسيما وأن ذلك سيساهم في دعم الإستراتيجية الاقتصادية الرامية الى رفع نسبة السياحة في الجزائر. النشطاء ينوهون بدور المنتخبين و بخاصة البرلماني السابق بودة يوسف الذي اقنع كلا من الشريف رحماني وزير البيئة والسياحة ووزيرة الثقافة خليدة تومي بادراج البرج معلما تاريخيا وسياسيا وثقافيا وسياحيا.
الوزير كلف مدير ديوان حضيرة الطاسيلي حينها بتحضير ملف حول الموضوع وقد تم التنسيق بين هذا الأخير والسيد النائب في ذلك الإطار حيث تمخض التنسيق الثنائي عن برمجة متابعة ميدانية ترأسها السيد مدير ديوان الحضيرة الذي تنقل الى برج عمر إدريس رفقة وفد أكاديمي مختص تشكل من أرمادة باحثين من مختلف المؤسسات المختصة بما في ذلك قسم الآثار بجامعة الجزائر و قسم الخرائط بمتحف باردو وجامعة معسكر حيث تم تقييم التكاليف المالية لترميم برج فلاتيرز ب480 مليون سنتيم تم إحصاء وترقيم جميع المناطق الأثرية ببرج عمر إدريس و تنظيم رحلة عملية الى منطقة تهيهاوت لرصد المعطيات السياحية والأثرية بها. وقد توجت هذه الخطوة بفتح نيابة للحضيرة الوطنية للطاسيلي ببرج عمر إدريس على اعتبار أنها بوابة للإقليم و لكن الامر توقف عند القرار الاداري رغم أن مواقع برج عمر ادريس تحوي منطقتي تنزروف وتيهيهاوت اللتين تستحوذان على رصيد معتبر من النقوش الصخرية والمساحات العذراء الفاتنة التي تحتضن أشكالا نادرة من الحيوانات البرية والطيور والنباتات ناهيك عن التنوع الحجري الذي يعكس عراقة المنطقة وتغلغلها في أعماق الحقب الزمنية البعيدة بحسب اعترافات بعض الباحثين والمؤرخين الذين وطئوا المكان وعاينوه وقد جاء في اعترافاتهم أن التكوين الجيولوجي للمنطقة يعود الى أزيد من 500 ألف سنة كما اكده المؤرخ جيرود وفاقنر مورتيس والباحث العالمي هلوس الذي تعرف على الرسومات والحفريات التي حوتها جدران الكهوف والمغارات المتواجدة بالمنطقتين وأكد في شهادته أن القسم الأكبر من هذه النقوش أنشئ قبل الحضارة السومرية وقبل تشييد الأهرامات وأنها تجسد أقدم المظاهر الفنية والاجتماعية والدينية السائدة إبان تلك المراحل الزمنية القديمة
ما يحز في نفس النشطاء الذين ناشدوا وزير الثقافة الحالي رفع الغبن عن الرصيد التراثي والثقافي والتاريخي الثمين الذي راح ضحية للعبث والتلف والاندثار بحيث ضاعت الكثير من المجسمات الصخرية واختفت العديد من التحف الأثرية نتيجة النهب الذي يمارسه السياح الذين يجولون في المكان دون رقابة أو تدخل من السلطة المحلية لحراسة الفضاء وتأمينه أو بفعل الزحف الرملي على بعض المساحات الأرضية الحاوية لبعض الآثار الحجرية، مما سيزيد من صعوبة الوصول إلى هذه المعالم المدفونة خاصة وأن أهل الخبرة الجيدة بهذه المواقع صاروا في عداد الراحلين عن الحياة رحمهم الله. و يذكر التقرير المجه الى ميهوبي أن مصالح الديوان الوطني للحضيرة الثقافية للتاسيلي نآجر مازالت لم تهتم جديا بالجزء الشمالي للحضيرة بصفة عامة وتيماسنين، بوابة التاسيلي بصفة خاصة في الوقت الذي تحظى فيه المواقع الأثرية بمدينة ايليزي وباقي الأجزاء الجنوبية للحضيرة بالعناية الواضحة علاوة كونها مصنفة عالميا من قبل منظمة اليونسكو ما تزال المواقع الأثرية الواقعة على تراب بلدية برج عمر إدريس لم تمسها حتى عملية الجرد من قبل اللجنة الولائية الخاصة بذلك فضلا عن تصنيفها. ناهيك عن التعثر المستمر لمشروع بناء نيابة للحضيرة على مستوى البلدية والذي ما يزال يراوح مكانه بسبب عدم جدوى الصفقات من جهة وبفعل المماطلات الصادرة عن الجهات المعنية من جهة أخرى