عهد العسيري - الرياض  

في زحام شبكات التواصل الاجتماعي وتسارع الزمن الراهن ضاع المثقف ونحن نبحث عنه وتاه في دوامة برامج مباحة للجميع بلا شروط أو قيود فيمكن للجميع استخدامها واللجوء إليها المتعلم من حقه أن يتصفحها والجاهل فيها بلا حدود ولا قيود ولعل ما يمكن أن نسميه أنانية التسارع الرقمي أن الخطأ الأكبر فيها أنها تفتقد للمعايير التي تحفظ للمثقف مكانه وتمنحه حقه وقيمته الحقيقية
ما إن تبدأ في تصفحها حتى تقابلك سطحية التفكير في غياب تام للمنطق والفائدة في شتى المجالات كأنني أقول لكم ” العولمة بدون قيمة ” ربما هي معضلة العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم فنرى أن نجوم البثوث أو اللايف كما تُسمى ليس المثقف ولا الدكتور ولا الفيلسوف بل بكل أسف هو شخص فارغ وتافه لايملك أي محتوى يزداد بريق نجمه بزيادة عدد متابعيه حينما تريد الحديث عن العقول ومفارقات الوعي فإن الغالبية العظمى ممن يدخل هذه المنصات الفارغة هم من المسطحين فكريا وثقافيا أصحاب عقول استعراضيه يباهون بنجمهم الذي يلقنهم يوما بعد يوم دروس التفاهه وللأسف أنها أستهدفت فئة الاطفال بصورة أكبر وهذا مايعطي نتائج أن مستقبل بعض أطفالنا ربما يكون فكر مسطح وفارغ نرى جميعاً كيف يتم تجاهل القامات الثقافية والادبية والعلمية وإحلال أشخاص لانعرف عنهم سوى أن لهم ألقاب بات أطفالنا يتناقلونها بينهم لستُ هنا لأكتب أننا نتجه نحو الطريق المنحدرة أو أننا في موقف خطير فالكل يعي ذلك دعونا نوجد الحل والعلاج بالطبع ليس الحل هو  منع الشبكات العنكبوتية فقد دخلت هذه الأخيرة أدق تفاصيل حياتنا واصبحت تشاركنا في نومنا واكلنا وشربنا غدت كمرآة كشفت كل مايدور خلف جدران بيوتنا وتعدت حتى وصلت لتكشف خصوصيات العوائل وحرمتها وكل ماسبق مخطط له من قبل شركات ربحية وضعت خططها منذُ عشرات السنين وهي ترى نتاجها الآن معادلتها بسيطة المزيد من التفاهة عند الجمهور يعني مضاعفة الارباح ومعضلتنا الوحيدة هي صعوبة وضع حد لهذا الانحدار الاخلاقي والفكري المخيف الذي يسير بنا وبقيمنا نحو الهاوية فليس هناك جهد ثقافي أو فكري أو ديني يستطيع أن يصد هذا السيل التقني الجارف ولن نستطيع حتى أن نعود للوراء فتسارع الزمن مهول ويقودنا دون أن نتمكن حتى من أن نمسك بزمام أو أن نرشد لطريق فقط نحن نركب الموجه دون أن نملك حتى خيار الايقاف أو الرجوع السؤال الذي سأطرحه عليكم ، ماذا سيحدث للأجيال بعد كل هذا العبث ؟ جيل كامل ربما يضيع ويخرج بعد سنوات بفكر فارغ مملوء بالتفاهات ولامكان ولا حيز للثقافة فيه !
نعم أقولها بكل صدق نحن مسؤولون أفراد وكيانات أعني أننا لو تجاهلنا ذلك المحتوى الفارغ لما تربّع وتمصدر اصحابه القمة مع كل ذلك الغث الكبير الذي يزداد يوماً بعد يوم ، دعونا نطرح الحلول وليعلم القاريء أنها تتطلب جهوداً جبارة وربما استثانئية حتى ترى النور مثلا دعونا نبرز دور القنوات والصحف والمهرجانات الثقافية والمنتديات ونساهم في تمصدرها فهذه مسؤولية وهذا هو دورنا ندخل جميعاً في محيط ينبع منه المزيد من الثقافة والفكر والوعي والادب أنت كفرد عليك مسؤولية الصعود بمستوى الثقافة والسلوك في منزلك وبين عائلتك ثم تأتي دور المؤسسات والمنظمات باختصار الكل مسؤول ومشمول بأن يقف ويتصدى لمثل هذه المهمة التي تعد من العيار الثقيل والحمل الكبير الكل منا تقع عليه مسؤولية جعل منصات التواصل وشبكات العالم من حوله محطات انطلاق لسلوك صحيح وفكر راقٍ وثقافة مفيدة ولأن الثقافة المجتمعية تشكل الوعي فستبقى الثقافة حاكمة على العقل والتفكير .