بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الدكتور / يسرى الجمل
سعادة الدكتور / حسن البيلاوي ،
سعادة الدكتور/ جيفارا البحيري ،
الحضور الكريم ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً بكم جميعاً. ويسرني أن أحادثكم إسفيرياً في هذه الندوة التي تتناول موضوعا في غاية الأهمية هو الميتافيرس .. المفاهيم والتداعيات” ، وضرورة تلمس موقعنا من هذا التطور الهائل في عالم التقنية وتطبيقاتها .
والشكر للمجلس العربي للطفولة والتنمية لطرحه هذه القضية للبحث والنقاش، وهو المبادر بالتنبيه لضرورة ركوب قطار الثورة الصناعية الرابعة وتوظيف تجلياتها لصالح تنمية الطفل العربي.
في حضرة الخبراء المختصين والمتخصصين في التقنيات الحديثة ، الذين سيتناولون ” الميتافيرس” بدراية مهنية وبعمق ، سأكون في هذه الكلمة القصيرة معنياً أكثر ببعض ما يمكن أن ينعكس تنموياً جراء التعامل الواعي مع هذا التطور التقني المذهل.
بداية، “الميتافيرس ” لم يعد نظريات سيطول اخضاعها للتجربة ومن ثم التطبيق، فهو وليد تراكم التقنية وتطورها ، وقد بدأ بالفعل يتبلور ويحدث تحولات هائلة في الواقع الإلكتروني للشبكة العنكبوتية ومنصات التواصل الاجتماعي . هذه حقيقة لا يغفلها سوى من لا علاقة لهم بالإنترنت والفضاء الإلكتروني.
يكفي ، دلالةً على أن هذا التحول بات واقعاً نعيشه، أن بعض التقارير تشير إلى أنه سيتم إنفاق نحو 396 مليار دولار على الميتافيرس بحلول عام 2025.
أين نحن من هذه الثورة العقلية الافتراضية التي تخاطب – بصورة خاصة – الأجيال الجديدة؟
هذا التساؤل الكبير هو ما يرمي إليه المجلس العربي للطفولة والتنمية بهذه الندوة وغيرها من الفعاليات الفكرية في هذا المجال للوصول إلى بداية إجابات موضوعية ، حتى لا نفاجأ بأننا خارج سياق هذا التطور الذي يتوقع أن يسهم في إعادة صياغة المجتمعات.
إننا في أجفند ، بقيادته الشبابية، الممثلة في صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز، وهو المؤمن بمستقبل التقنية، وفوائدها في تحقيق استدامة التنمية، ندعم ونعزز كل توجه يتخذ التقنية سبيلاً لتحديث أدوات التنمية ، وتوسيع أوعيتها، وزبادة نطاق مستفيديها. فما بالك بمن هو دائب على ارتياد آفاق مستقبل التقنية وتداعياتها على التنمية ، مثلما يفعل المجلس العربي للطفولة والتنمية. فجهود المجلس في تنمية الطفل وافادته من جديد العصر وحمايته من تداعياته الضارة تلقى من أجفند كل حفز.
في هذا المقام تحضرني مقولة عميقة الدلالة للراحل الأمير طلال ، رحمه الله: ” جنبوا أطفالكم متلازمة الخوف ” .. فهي عبارة بليغة حاشدة بمبادىء التنشئة السوية. فإعداد الطفل والأسرة والمجتمع لما هو آت من تطورات تقنية عظيمة مثل الميتافيرس، هو صد استباقي للخوف ، وتحصين بالمعارف من ” رهاب الجديد”.
ونحن في أجفند نعد هذا الاستكشاف المبكر لعوالم الميتافيرس من قبيل ” التمكين ” بالمقصد اللغوي للتمكين، وبمفهومه الاصطلاحي الدال على التقوية والتزويد بالمقومات وتوسيع القدرات والإمكانات بوصف التمكين من الحقوق المؤسسة لديمقراطية التنمية.
كوفيد -19 على الرغم من الأضرار التى سببها ، فقد جاءت في طيات الجائحة مبشرات بفتوحات إنسانية خاصة في التنمية التي استعاضت بالتقنية عن التراجعات التي حدثت في تحقيق معظم الأهداف السبعة عشرة في أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
ولأجفند تجربة غنية في توظيف التقنية لتجاوز إغلاقات ” كورونا” وإجراءاتها الاحترازية. فعبر الورش والدورات الإلكترونية استطعنا – بالشراكة مع (يونيتار ) الوصول إلى مستهدفين في 95 دولة تلقوا دورات تدريبة عالية المستوى. كما عقدنا عشرات الندوات والمؤتمرات إسفيرياً.
وخلال ظروف الجائحة اكدت الجامعة العربية المفتوحة – التي أسسها أجفند بمبادرة بصيرة من الأمير طلال – أن تعليم المستقبل هو القائم على تطويع التقنية ومواكبة مستجداتها.
ولذلك فقناعتنا راسخة بأن الميتافيرس بالتوقعات اللامتناهية عن آفاقه وعوالمه الافتراضية والموازية سيشكل نقلة تستعصى على الوصف في مجال التعليم والتدريب وتبادل المعارف وتطوير المهن.
وإن كنا نتوقع أن التكلفة المالية العالية في المراحل الأولية من شأنها تعويق انتشار هذه التقنية في المجتمعات النامية، إلا أنها قطعاً ستكون في المتناول بعد حين. وأن الفقراء سيجنون ثمراتها.
فبنوك الشمول المالي التي يتوسع أجفند في إنشائها تقوم على ركائز تقنية في التأسيس وتنفيذ مشاريعها الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، وكل تطور تقني يعطي الشمول المالي مدداً متوالياً من الأفكار الإبداعية لمشاريع تكافح البطالة وتفتح فرصاً جديدة للعمل تخرج شرائح من دائرة الفقر. فهذا المجال موعود بمكاسب كبيرة تعود عليه من الفضاء التقني الرحب الذي يتيحه الميتافيرس.
ختاما أيها السيدات والسادة،
لقد ظل طابع مجتمعاتنا في استجابتها لكثير من المستحدثات – لوقت قريب – هو التعامل بمنطق التوجس والريبة وفي بعضها الصد والرفض . أما وقد شهدت بلداننا تطورات نوعية، ونعيش مفهوم ” العالم القرية ” بتفاصيله ، ولدينا مراكز ومؤسسات تقود البحث في توطين التقنية ، فهل يسود تعاملنا مع هذا القادم الجديد ، العقل الناقد الباني ، الذي يرصد الإيجابيات وينميها ، ولا تستغرقنا ” المحاذير الأخلاقية” التي يمكن مواجهتها بالحمية القيمية والتنشئة القويمة؟