يطلق نشطاء غزيون النكات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يقارنون فيها بين الحصار الإسرائيلي المفروض عليهم منذ 13 عاماً، وما تسبب فيه انتشار فيروس كورونا الجديد من تقييد للحركة في مختلف أنحاء العالم.

وتفرض إسرائيل منذ صيف 2006 حصاراً مشدداً على قطاع غزة، قيدت به حركة نحو مليوني نسمة، وحركة البضائع.

ولكن هذا المنطقة الجغرافية المحاصرة لم تحص أي إصابة بالفيروس الجديد حتى الآن، وفق ما أعلنت وزارة الصحة، وربما تكون في هذا الوقت من المناطق القليلة الآمنة في العالم، إلى أن يظهر العكس، إذ يرى خبراء أن إصابة أي شخص في غزة بالفيروس سيفضي إلى انتشاره سريعاً بسبب الاكتظاظ السكاني.

وحذر مدير عمليات الوكالة ماتياس شمالي من انتشار الفيروس بسرعة إذا وصل غزة، مشبهاً الوضع بسفينة الرحلات التي أصيب نحو ربع من كان على متنها بالفيروس لدى فرض العزل عليهم قبالة اليابان في بداية فبراير(شباط) الماضي.

وقال: “من الوهم الاعتقاد بإمكانية إدارة مثل هذا الوضع في مكان مغلق كما هي الحال هنا”، لكن عملاً بالقول السائر “شر البلية ما يضحك”، قال ناشط في مقطع مصور نشره على فيس بوك: “نرحب بكم في غزة الآمنة من فيروس كورونا، إلى كل العالم هل تعبتم من البقاء في بيوتكم، وإغلاق المطارات، والمعابر، نحن تعودنا، محاصرون منذ 13 عاماً”.

وبينما دعا ناشط آخر سكان العالم إلى القدوم إلى غزة “إذا كنت خائفاً من الموت تعال إلى غزة حيث لا يوجد كورونا”.

وفرضت سلطات حماس الحاكمة في القطاع إجراءات احترازية مشددة، بينها إغلاق المعابر الحدودية مع إسرائيل، ومصر، والمدارس والجامعات ومنع الفعاليات والنشاطات المجتمعية.

ومن جهتها، وضعت وزارة الصحة نحو 900 شخص عادوا إلى القطاع أخيراً رهن الحجر الصحي، إلى جانب آلاف في الحجر الصحي المنزلي، وترتفع في قطاع غزة نسبة الفقر نتيجة الحصار الذي تسبب أيضاً في ضعف النظام الصحي، ومعاناته من نقص كبير في المستلزمات الأساسية.

وتملأ مريم الخطيب، رفوف مطبخها الصغير في منزلها في حي تل الهوى غرب غزة، بمواد غذائية وأخرى للتنظيف، وتقول المرأة التي عايشت 6 حروب وانتفاضتين: “منذ أن خُلقت لم يمر علينا مثل هذا الوضع المرعب”.

وتجلس مريم على سريرها تتابع أخبار الفيروس اعبر شاشة التلفزيون على الحائط، ويقول ابنها مصطفى، إنه يتفهم “مشاعر الناس في جميع أنحاء العالم، نحن في عزلة تشبه الحجر الصحي الذي يفرضه كورونا منذ 2006”.

ويبدو أمر تخزين المواد الغذائية عادياً للعائلة، خاصةً أن تجربة الحروب والأزمات المتكررة تجعلهم يستعدون للأسوأ، ويضيف مصطفى “اعتدنا تخزين مواد تموينية والاستعداد للبقاء أياماً وأسابيع في بيوتنا، لا ضمانات حتى الآن ضد دخول الفيروس رغم الإغلاق، إذا أصيب مواطن واحد سينتشر بشكل جنوني وسيقتل المئات وآلاف”.

وأغلقت المدارس في القطاع أبوابها، وبدأت محطات إذاعية وتلفزيونية محلية في نقل الدروس للتلاميذ في منازلهم، واستعانت مدارس أخرى بالإنترنت، وتقول مديرة مدرسة “راهبات الوردية” في غزة نبيلة صالح: “اعتمدنا التدريس عبر الإنترنت، نريد أن نكمل للتلاميذ دروسهم ونعوضهم ما يفوتهم، لا أحد يعرف متى تنتهي هذه الحالة”.

وبسبب الحصار الإسرائيلي والإغلاق المتكرر لمعبر رفح، لا يسمح بالسفر إلى الخارج إلا للحالات الإنسانية خاصةً مرضى السرطان، وقررت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، التي تشرف على تعليم نحو ربع مليون تلميذ في مدارسها في القطاع التعامل مع الوضع كما لو أن الفيروس وصل إلى غزة.

ويوجد في مستشفيات قطاع غزة 60 سريراً للعناية المكثفة، وفق ما قال مدير منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطيني جيرالد روكنشاب، الذي أشار إلى نقص الأدوية الأساسية، والكهرباء، والماءن وحتى الموارد البشرية.

وحسب روكنشاب فإن أكثر من 90% من المياه في القطاع غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وقال مدير منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، إن “القيود الإسرائيلية والتوتر السياسي تسببت في تدهور المرافق الصحية في القطاع في العقد الماضي”.

وقالت إسرائيل إنها تعمل لضمان تسليم الإمدادات الطبية، بما في ذلك 500 جهاز فحص الحرارة سلمت الأربعاء الماضي.

وبدأ عناصر من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في تجهيز منطقتين للحجر الصحي في جنوب وشمال القطاع، تتضمن ألف غرفة، أشرف على إقامتهما رئيس الحركة يحيى السنوار.

وأقرت وزارة الصحة الحجر مدة 14 يوماً لكل فلسطيني عائد من السفر، ويقول جودت النجار أحد المعزولين في مقر الحجر الصحي: “جئنا من مصر الأربعاء الماضي، وكنا فرحين أننا رجعنا لغزة، لكن فوجئت بغياب حمامات مهيأة ومياه الوضوء، كيف سنقضي 14 يوماً”.

وفي مدرسة مرمرة بخان يونس، وضع كل 8 أشخاص في فصل، بعد عزل الرجال عن النساء، ونفت وزارة الصحة ما قاله النجار.

ويشير يوسف أبو الريش المسؤول عن قطاع الصحة في غزة، إلى متابعة المحجورين صحياً على مدار الساعة وتقديم كل الاحتياجات والخدمات اللازمة لهم و”حالتهم الصحية مطمئنة”.

وكان لافتاً استخدام العمال في منطقة المنطار الصناعية شرق غزة الكمامات، والقفازات، والخضوع لتعقيم دائم، ومنعت وزارة الأوقاف في غزة كبار السن، والذي يعانون من الإنفلونزا، والرشح، ونزلات البرد، من الصلاة في المساجد.

وتقول مريم: “إذا أصابت كورونا الناس في غزة، لا علاج هنا إلا بالدعاء لله”.