رغم مفاوضاتها القائمة مع حركة طالبان لسحب قواتها من أفغانستان، تتجه الولايات المتحدة لإبقاء قوة لمكافحة الإرهاب في هذا البلد لطمأنة المتخوفين من إنفلات الوضع بعد هذا الإنسحاب. وتفيد العناصر الأولى لمشروع الاتفاق مع طالبان والتي نشرت في الإعلام، أن الانسحاب سيتم من خمس قواعد عسكرية تنتشر فيها القوات الاميركية خلال 135 يوما. وفي نهاية هذه المرحلة يبقى 8600 جندي في أفغانستان مقابل ما بين 13 و14 ألفا اليوم.
ويستند الاتفاق الى فرضية قيام طالبان بالمقابل بوقف حربها ضد الحكومة. وفي حال تم هذا الامر فإن مهمة الجنود الاميركيين المتبقين ستنحصر في هذه الحال بمكافحة مسلحي تنظيم داعش والقاعدة الذين استفادوا من الفوضى لتعزيز وجودهم في البلاد. وتقوم القوات الاميركية الموجودة حاليا في أفغانستان بمهمتين : تدريب القوات الخاصة وقوات الجو الافغانية، والمشاركة في عمليات مكافحة الارهاب. ولم تقدم أي تفاصيل حول تشكيلة القوات الاميركية التي ستبقى في البلاد بعد تنفيذ الخطة، لكن قائد اركان الجيوش الاميركية الجنرال جو دانفورد لمح الى ان قوة لمكافحة الارهاب قد تبقى في البلاد في مرحلة أولية. وقال في مؤتمر صحافي “أنا لا استخدم كلمة انسحاب في الوقت الحاضر”، مضيفا “أقول إننا نريد التأكد بأن افغانستان لن تكون معقلا للمتطرفين”.
وتابع ردا على الحاح الصحافيين الذين كانوا يستفسرون منه عما اذا كانت قوة لمكافحة الارهاب ستبقى في افغانستان “نريد التأكد بأننا سنكون قادرين على الدفاع عن مصالحنا”.
وكانت الحرب في افغانستان بدات في السابع من اكتوبر 2001 ردا على اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر التي ارتكبها تنظيم القاعدة الذي كان يتخذ من افغانستان مقرا له ويحظى بدعم طالبان. والمنطق وراء التمسك بإبقاء قوات اميركية في أفغانستان هو التأكد من عدم التخطيط في افغانستان لارتكاب اعتداءات جديدة في الولايات المتحدة، والتأكد أيضا من أن الاتفاق مع طالبان لن يساعد في تنامي نفوذ المجموعات الارهابية. وتابع الجنرال دانفورد معتبرا أن الجيش الافغاني قد يكون قادرا في وقت لاحق على ضمان الامن في البلاد. وقال في هذا الاطار “لكننا لا نريد الآن مناقشة متى يمكن أن يحصل هذا الامر بالتفصيل”.
مخاطر
يقول مايكل كوغلمان من مركز ويلسون للدراسات “من غير الضروري ابقاء وجود عسكري كبير لمواجهة التهديد الارهابي في افغانستان”، مضيفا “يكفي إبقاء بضعة آلاف جندي”.
ويتخوف هذا المحلل من أن تزداد قوة تنظيم الدولة الاسلامية في حال انضم المتشددون من طالبان اليه لرفضهم الاتفاق مع الولايات المتحدة. وأضاف “ما تريده طالبان هو انسحاب الجنود الاميركيين بشكل كامل”، لكنه سيكون على الولايات المتحدة إبقاء وجود لمكافحة تنظيم داعش والقاعدة “كما فعلوا خلال السنوات القليلة الماضية لا بل أكثر”. والروزنامة التي أعلن عنها لا تشير سوى الى المرحلة الاولى من الانسحاب، كما قال الرئيس دونالد ترامب. وفي حال حصول هجوم جديد ضد الولايات المتحدة من افغانستان فستعود عندها الولايات المتحدة الى افغانستان “بقوة لا تقارن بأي قوة سابقة”.
وتقول أوساط في البنتاغون إن أي انسحابات أخرى محتملة تبقى مرتبطة بتطورات الوضع على الارض. وحذر عدد من السفراء الاميركيين السابقين في افغانستان الثلاثاء في رسالة مفتوحة من الانسحاب الكامل ما لم يتم التأكد من عودة السلام الى البلاد. وقالوا في هذا الصدد “من الممكن خفض عدد الجنود بنسبة معينة لتحريك المفاوضات، لكن لا بد من ابقاء قوات لمكافحة الارهاب وقوة جوية اميركية واخرى للحلف الاطلسي لمواجهة الخطر الارهابي المتمثل بتنظيم داعش والقاعدة وطالبان”. ويتخوف الكثير من الافغان من أن يتيح انسحاب الاميركيين عودة طالبان الى الواجهة السياسية للبلاد وفرض قيود على الحريات العامة وتجاهل تقاسم السلطة مع الحكومة الحالية. كما أعلن المتحدث باسم الرئيس الافغاني أشرف غني الاربعاء أن السلطات في كابول “متخوفة” من مشروع الاتفاق مع طالبان وتريد ايضاحات حوله وما يمكن أن يحمله من مخاطر.