إيمان العلاوي..
فنانة تشكيلية مبدعة من طراز مختلف..من طراز فريد..أو من طراز نادر..لافرق.
حيث ليس هنا الموضع لوضع الميزان بالقسط لموهبتها الفنية بقدر مايجب أن تخترق التوطئة سياج التصنيف إلى واحة الهوية أو على الأصح الكينونة لهذه المبدعة التشكيلية التي تقتطف اللون من حزمة طيفه بحاسة اللمس..وتعيد تشكيل اللون ورشقه بريشتها(المبصرة) لتتقلب قطعة الإيكريليك الصماء أو منحوتات الطين والخزف بين إصبعين من أصابعها إلى تحفة فنية وليست أدواتها الجسدية إلا الأدوات الحسية النورانية التي لاحدود فيها لسموات التخيل والتصور والذوق وتوقع مآلات كل فكرة إبداعية.
إيمان العلاوي..
منذ أن فقدت بصرها عينا تلو الأخرى في حادثتين غامضتين منفصلتين بينهما 6 سنوات..وحملت على عاتقها شرف مرتبة (ذوات الهمم) اختزلت ذاكرتها البصرية ذلك المسبار الذي قاد ومايزال يقود ذائقتها بفضل الله ثم بفضل مامتلكته من أحاسيس تفاعيلة وبعض العلوم التقنية المساندة للمبصرين في هذا المجال من برامج التعرف على اللون وتدرجاته بحاسة اللمس والبرامج الناطقة وما إلى ذلك من برامج تقنية لاتقول شيئا عدا العنوان للون ومابقي من توظيف هو الأصعب الذي قد يكون مستحيلا على كثير ممن أنعم الله عليهم ببصر زرقاء اليمامة..ولكنهم محرومون من بصيرة الإحساس بالجمال فكيف بتشكيل الجمال وتهيئته للإبهار والدهشة؟
وقد كان لإيمان العلاوي بعد مشاركتها الموفقة في معرض(ألوان عربية)في القاهرة مع عدد من الفنانين السعوديين والعرب تجربة قرائية رائعة للوحات الفنان التشكيلي محمد العبلان مستخدمة مهارة اللمس لتذوق الإحساس بالألوان في معرضه(الأحفورة)بنسما آرت العامالماضي.
قالت عنها:
أنا أحس بالألوان كما يحس بها كل فنان مبصر حيث مخزوني البصري بالألوان جيد والحمدلله.
ولعل ذلك يتضح جليا عبر مشاركاتها في معرض جمعية إبصار الخيرية من خلال لوحاتها الثلاث: فداء،وارتقاء،وغموض.بينما تمثل لوحتها فداء الماستر سين لمجمل أعمالها بحسب تقديري..حيث هي لوحة العين الزرقاء التي حازت على النسبة الأكثر إعحابا وتداولا لدقتها وبراعة الفكرة القائمة على فكرة مختلفة ورسالة تحمل قيمة وطنية هي اليوم سقف الاهتمام الوطني في الوعي الجمعي السعودي..خاصة وإيمان تختار لقزحية العين الزرقاء النقش المموه باللون الخاكي العسكري ترميزا لأبطال الحد الجنوبي باعتبارهم في نون عين كل مواطن تعظيما للدور الوطني الذي يقومون به مضحين بأرواحهم من أجل أبناء وطنهم.
وربما لذلك..وأكثر من ذلك
هي إيمان العلاوي التشكيلية المناضلة..والطاقة الإيجابية المعطاءة الناشطة المجتمعية الفاعلة في معظم الفعاليات المجتمعية وبالتحديد المرتبطة بذوي الهمم أو بذوي الاحتياجات الخاصة..ولا مشاحة في الاصطلاح.
ويحمد لها ولأمثالها هذه الروح النضالية الوقود بفضل الله للاستمرار والسير صعودا نحو عتبات التفرد والتميز بين المبصرين والأصحاء النظر على حد سواء.
وطالما السياق هنا الحديث عن مبدعة تشكيلية من العلا على أرض مدينة الفن الساحلية الساحرة عروس البحر جدة.
جدير بالذكر المرور بمرارة على سيرة مبدعة أخرى من العلا تقيم في العاصمة الرياض.وهي سابقة لإيمان العلاوي في التاريخ والتفرد على اعتبار نوع فنها التشكيلي كفنانة ترسم بالفحم تخصصت في البورتريهات..بل كانت أول سعودية تحترف إلى حد ما الرسم بالفحم..وشهد لها أحد أبرز الفنانين الإيطاليين بذلك التفرد وتلك الأسبقية إبان مشاركاتها الألقة في أكثر من موسم لمهرجان الجنادرية قبل عشرين عاما..
هي الفنانة التشكيلة (سحايب) التي كان لها شرف إطلاق اللقب عليها من قبل مهندس الكلمة الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن.
كانت(سحايب)..
بالفعل سحائب مزن من الفن النابض بالإبهار والدهشة..وقرينة نجاحاتنا في تصاميم أغلفة مجلة فواصل..بل كنا نفرد لها مساحة أغلفة مجلة فواصل بكاملها أيام عز مجلة فواصل ومازالت ذاكرتي تحتفظ بتلك الإبتسامة المزغردة في تجاويف روحي وطلال الرشيد يرحمه الله يتكيء بحنو على كتفي الأيسر في غرفة الإخراج ونحن نسابق الزمن في متابعة إخراج غلاف المجلة الذي يحمل توقيع تصميم سحايب ويوصيني مرارا وتكرارا بها خيرا.
ولم يكن يعلم بأن ثمة صلة قرابة وثيقة تربطني بها..وليس فقط مجرد الانتماء للعلا الذي يجمعني بها..وماعلم إلا عندما تعرضت لمرض في القلب(كتلة الإحساس) وهاجرت للعلاج لفترة من الزمن ثم اعتزلت نهائيا..فكلفني يرحمه الله أن أبذل قصارى جهدي لإعادتها للرسم..وبذلت حتى أعياني البذل..إلى أن اضطررت لرفع الراية البيضاء واستسلمت!
فخسرت الساحة الفنية وليس العلا وحسب مبدعة متميزة سابقة للتفرد من ماركة التشكيلية سحايب..وماكنا على علم ولامعرفة سابقة بأن ثمة من سبقها في الرسم على الفحم.
أما التشكيلية(الكفيفة)البصر..
إيمان العلاوي..بصيرة القلب نورانية الروح..مستنيرة العقل رطبة الوجدان..فلربما لطبيعتها الإندماجية التي تنطوي أيضا على شخصية إيجابية متفاعلة مع الحياة المتماسة مع رسالة نبيلة تحملها تجاه كل شرائح ذوي الاحتياجات الخاصة الأثر الكبير بعد توفيق الله في استمرارها وتفردها واضطراد شهرتها كونها فاقدة لحاسة البصر وفنها يعجز ذي والأبصار ويسلب الألباب !
ولم تكتفي بالحضور الفاعل على الأرض والحرص على تلبية كل الدعوات للمشاركات بفنها في الفعاليات ذات الطابع الاجتماعي والخيري والإنساني..فحصدت التكريم تلو التكريم..والإشادة تلو الإشادة من قيادات حكومية رسمية،وقيادات للمؤسسات المدنية.
إيمان العلاوي..
لهذه الروح النضالية المنتصرة بفضل الله على الظرف الإنساني (فقد البصر)الذي لم تولد به بل أسدل ستارته السوداء الصاعقة على عينيها اليسرى وهي طفلة لم تتحاوز العاشرة من ريعان العمر لتعيش للسادسة عشر من ربيع العمر وتصاب مرة أخرى في عينها اليمنى السليمة فتفقد بصرها أيضا إثر حادثة اصطدام غامضة مجهولة في غرفة مظلمة في البيت لاتعرف حتى اليوم بماذا اصطدمت وبعد سلسلة من العمليات الجراحية تخسر إيمان بصرها كليا إلا من طيف الشوف الخيال الذي قد يعينها على الحركة في الأماكن المفتوحة..لكن لايمكنها التمييز بين الأشياء والقدرة على تحديد الألوان.
وهي حادثة تعيد للأذهان صدمة فقد الشاعر العذب إبراهيم حلوش بصره وإن اختلفت الظروف وطبيعة فقد البصر.
إيمان بدورها لاتغفل عن تجيير كل ماوصلت إليه قبل وخلال معركتها الدراسية بعد فقدها البصر إلى والديها وشقيقها سليمان وزميلة لها حيث كانت زميلتها تتعهد لها تدوين دروسها على كاولة الدرس بجوارها وشقيقها سليمان يتعهد تدوين دروسها لها في البيت إلى أن انهت دراستها وتخرجت وأصبحت معلمة في مكة المكرمة ليتولى شقيقها صالح بعد ذلك مرافقتها الدائمة في المعارض خلال مشاركاتها..ولذلك بكل زهو فاخر تحمد إيمان لشقيقها صالح كل تضحياته في سبيل إسعادها قائلة بدعابتها المعهودة:
صالح هذا أخي،ولم يقصر في حقي مع أنني(جننته معي)
لذلك أدعو الله أن يسعده السعادة الدائمة.
ولهذا كله..وربما أكثر..
تسجل إيمان العلاوي أينما حلت حضورها الأخاذ محملة بتجربة إنسانية تراكمية مثابرة زاخرة ليس على أرض الواقع والحياة المعايشة المتنوعة الأنشطة والمشاركات النوعية وحسب..بل على صعيد تقديمها كتجربة ملهمة على المسارح الخطابية التي لابد وأن يكون ختامها تصفيق جميع الحضور وقوفا احتراما وتقديرا وإعجايا بتجربتها الفريدة الإنسانية والمهنية معا مثلما كان حدث لها على سبيل المثال لا الحصر على المسرح في مبادرة كيف تكون قدوة(هوايتي هزمت إعاقتي).
أيضا عبر الفضاء الالكتروني أومايسمى بالعالم الافتراضي إيمان العلاوي الفنانة والإنسانة أو الزمردة المتمردة(لقبها في وسائل التواصل)حاضرة بنتاجها وأخبار مشاركاتها في المعارض الفنية والفعاليات الاجتماعية وكذلك حاضرة كمغردة طبيعية جدا تعيش بشريتها بكامل تفاعلاتها وتقاطعاتها مع الناس والحياة.
تشجع كرة القدم بحماس منقطع النظير..وتدون كل ملاحظاتها المتفاوتة اللطف والحدة والسخرية الراقية..ولاتغفل عن مكافحة التعصب امتدادا لرسالتها الأخلاقية في المجتمع موظفة هويتها الاعتبارية كفنانة تشكيلية رغبة في إحداث الأثر الإيجابي المعتاد من رسالتها الاجتماعية.
وفي هذا الفلك التويتري وهي تدور في مسارات الرسائل الاجتماعية التوعوية في شهر رمضان على سبيل المثال لايفوت إيمان تمثل طبيعة حضور أحد أبرز المغردين المشهورين بمايسمى بقصف الجباه أو بحسب التسمية الشعبية(تطيير الجبهات)وهي(تطير جبهة)أحد المعلقين على تغريدة توعوية لكنها تضوع بروائح الطرافة والدعابة والمرح مشبعة بنكهة السخرية اللاذعة.
فهكذا هي روح الفنان المبدع يحب أن يكون الرتق المجازي للرتق فيها متينا حصينا قادرا على حماية المبدع من كل التشوهات النفسية التي قد تضرب المبدع وتدمره مثلما تضرب الفيروسات الجسد الصحيح فتشوهه وتدمره.
لذلك لا أجمل من أن يحيا المبدع حياته الطبيعية العفوية المستقرة مع النفس المتصالحة مع الذات ويترك لبشريته حرية الانطلاق ليبدع من غير تصنع ولازيف ولا ادعاء فتكون روحه الفراشة الزاهية المحلقة المرفرفة في حدائق الحياة الغناء كلما حطت على زهرة امتصت رحيقها الذي يناسب ذائقتها لتفرزه شرابا مختلفا ألوانه كل من يتلقاه يكون صالحا مستطابا لكل ذوق بحسب طرائق مشربه.
ولذلك..في تويتر تحديدا..قد تقتطف إيمان نكتة عابرة فتعيد تدويرها وتفعيلها بشكل عفوي فائق التمكن..وقد تعيد صياغة وتوظيف سخرية خاطفة غير جارحة لإشباع جانب المرح في شخصيتها التي لاغنى لكل إنسان طبيعي عنه..فكيف بالشخصية المبدعة؟
وعلى هذا كل مبدعة مؤمنة بأقدار الله متحدية لعطل الإرادة وتعطيل العقل من ماركة إيمان العلاوى تستحق دوما الإجلال والتقدير والدعم والمساندة.
ولو بالتصفيق لها وقوفا كلما مر طيفها في ذاكرة من يعرفها حق المعرفة..ويقدرها حق قدرها.
1 comment
1 ping
حنان الغامدي
07/06/2019 at 3:29 م[3] Link to this comment
سلم بنانك