ذات مكان..
في إحدى المكتبات
أبحث بين الأرفف عن كتاب !
فسقطت عيني على كتاب يبتسم لي ،
يرفرف بين الأرفف ، التقطته بيدي.
سمعت صوتا"!!
يقول لي : شكرا"
فالتفت حولي فما وجدت أحدا" غيري..والكتاب.
فبدأت اقلب صفحاته.. وأتصفح الكتاب .
فاذا بي أسمع الصوت مرة اخرى يقول لي : شكرا".
لا تستغرب أنا الكتاب.
فقلت له : لما تشكرني ؟
قال لي بنظرة حزينة : لأني هنا على هذا الرف منذ أشهر لم يلمسني أحدا .
فتعجبت منه !!
وقال : أنا هنا وحدي !!
لا أحد يقرأني ! ولا يلمسني غير صديقي ( محي) .
صديق جميل يعتني بي ويعتني بإخوتي واصدقائي الكتب.
يأتينا كل صباح ، يلمسني وينفض عني مابقي من غبار ، ثم يمضي ولا أراه ألا في اليوم التالي.
فقلت له : احكي لي قصتك.
فقال : الكل تخلى عني ! حتى من كتب صفحاتي.،
كانت صفحاتي بيضاء ، يملؤها صاحبي كل يوم بعدد من الكلمات ، أستمتع وأنا أراه يملئ جوفي بالكلمات ، والقصص والحكايات .
والتجارب والمحطات .
استمتع بما يكتبه فأنا خلاصة تجربتة ، وعصارة ما تعلمه.
أحيانا" أجده فرحا" حين يكتب ، وأحيانا" حزينا" حين يسرد .
يكتبني بشغف ،
ويكتبني بملل ،
ويكتبني بلهف .
عشت معه كل أوقاته ،أفراحه ، وأحزانه.
غير أنه ذات مساء !!
إنقطع عني شهر فاستغربت ، ثم عاد لي يكتب بسرعه وبقوة وبعمق ، أدركت أن ما يكتبه تجربة ،
وأن خلاصة معرفة ،
كانت في البداية مجرد فرضيات ، تحقق منها واصبحت نظريات ، وأنها لم تمر عليها إلا وأصبحت مطبقة ، وحلا" لمشكلة ، ووسيلة... وأداة.
أدركت أني محظوظ!
فأنا انضج في كل سطر ، وعبارة حتى امتلئ جوفي إلى اخر صفحة.
ثم ختمني بأجمل خاتمة .
ثم تركني وترك مسودتي ، لتبدأ رحلتي عند الخاتمة ! وعند توقيعه على إحدى صفحاتي بقلمه الذي أصبحنا بالأيام أصدقاء .
قلمه الذي سال على صفحاتي البيضاء ، التي كنت استمتع وأنا اتقلب بين يديه وتحت ريشته.
بعدها بدأت رحلتي بين المطابع والأحبار مابين حبر وصمغ وسكين!
حبر يطبع !
وصمغ يجمع !
وسكين تقطع.
حتى استنسخت عددا" كثيرا" كل إخوتي يشبهونني.
غير اني عشت مع كاتبي وصديقه القلم.
ثم بدأنا ننتقل ونتنقل في كل مكان.
في برد وشتاء
أحيانا" متّلحف في (كرتون ) ، وأخرى في ( نايلون) .
وأذكر أنه كان هناك إحتفال!!
جمع فيه الناشر والكاتب الأصحاب والأصدقاء ، والشغوفين في القراءة في حفل بيهج ، وليل أنيس ،
أرى شاشات ،
وفلاشات ،
وصحفين من صحف ومجلات ،
وحوارات ، ولقاءات.
وانتهت هذه الإجتماعات.
فمجع ما تبقي من إخوتي وبدأت رحلتي التي كنت أظن أنها انتهت بالتوقيعات والفلاشات. لتبدأ رحلة المعاناة، مغمض العينين ، في ظلام .
وفجأة !!
صرت على هذا الرف ، وليس صديق ولا ونيس ، غير إخوتي خلفي وصديقي ( محي) وآخرين يشبهونني!! ولكنهم ليسوا مني.
لغتهم تختلف
ومضمونهم مختلف.
أجدني أعرف بعضهم بلغته ،
أو بعبارة في جوفي اُقتبست منه .
إلا أنني أكاد لا أعرفهم.
فأنا تجربة ، وهم.. بعض حقيقة و بعضهم تاريخ ، وبعضهم نظرية ، والآخر رواية من نسج الخيال ، أو قصة قصيرة ابتدعها كاتبها ، أو سمعها ، او ربما عاشها.
بيننا كتب منسية ، أساطيل وكتب تاريخية ، وإخرى مذهبية ،
وطائفية ، والقليل منها فكرية.
فيها ما فيها ، ولها مالها .
نخاف منها ، وبعضها نسعد بها.
وفي إحدى المرات !! جاءت مجموعة من الرجال وإنقضوا على جاري ( الكتاب ) فسحبوه من الرف بقوة وجمعوا اخوته عنوة .
ثم وضعوهم في علبة.
وقالوا ( محظور) !!
فخفت على نفسي .
أن يصبح مصيري .. مصير غيري .
إلا أنني مازلت صامدا" ، صامتا" أحدث نفسي ، لعل أحدا" يأخذني ويستفيد مني.
وفرحت اليوم أنك لمستني ، وسمعتني ،
وقرأتني ،
وأجزم أنك ستستفيد مني وتنقل خبرتي عن لساني.
أجزم أنك ستذكرني في مقام أو مقال.
أو ربما في كتاب ، فأنا مفيد ، وخير جليس ، وأنيس ، وونيس .
أسافر بك بدون طائرة.
وأحلق بك بدون أجنحة.
ثم تبسمت معه ، وقلت له :
هذا أنت حقا" خير انيس.
ووضعته في يدي وخرجت معه لتبدأ قصة أخرى .
وتبدأ حكاية أخرى
بطلها.. كتاب.
2 comments
2 pings
Almomtaz
27/10/2018 at 5:20 م[3] Link to this comment
كلام جميل جدا وفقك الله وسدد خطاك على الخير وتسلم
آمنة
28/10/2018 at 2:33 م[3] Link to this comment
يجننن المقال ماشاء الله يادكتور أبدعت سلمت أناملك