لا يوجد ما هو أشد بشاعة من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
العبودية، والرّق، وتجارة اللحم الأبيض، كانت تلك أساليب العهد القديم، لكن الأساليب، الآن، أصبحت أكثر خبثًا، و دهاءً، فقد وصلت لكل بيت، بل توغلت في كل يد.
إنني أتحدث عن وسائل التجميل المجنونة التي اجتاحت البشر، وخاصة النساء، كما التسونامي، و المصيبة الأعظم أنهن لا يستكشفن هذا وحسب، بل أدمنّه.
كل وسائل الشركات الضخمة المختصة بالتجميل، والملابس تركز على حالة اللهث الدائم للمرأة خلف الموضة، و الأزياء وأدوات الجمال. النساء ينفقن الآلاف من الأموال كل يوم، بل ينفقن أضعاف ذلك كل دقيقة؛ لأن وسائل الدعاية قد احتشدت الآن حول ما يُطلق عليه الفاشنيستا، ولعله من الأدق والأصوب أن تُسمى بالفراكنشيتا، لأنهن حولن الفتيات إلى فئران تجارب. و قبل أن تشمئزوا من سماع التشبيه، أين الإثباتات الطبية على سلامة هذه المنتجات؟!. الفراكنشيتات علِمن هذا، فأخذ معظمهن يشتري موادًا رخيصة، ملوثة غالبا بأدوات كيميائية، غير مرخصة، يضعن أسماءهن عليها، ويتحدثن حولها، وهن مالكاتها؛ ليجنين الملايين من ظهوركن لترتقين إلى درجة القبول لديهن فقط. كل تلك الأساليب، وبرامج التواصل تحاول أن تقنعكِ برسالة، أنتِ لن تكوني جميلة؛ مالم تستخدمي منتجي، وأدواتي، وتقومين بفعلي نفسه.
المسألة تفاقمت إلى عمليات تجميل، و نفخ بالبوتكس لفتيات في عمر الزهور، لا يحتجن لتلك المواد بل الأسوأ إن استخدمنها؛ فلسوف تدمنّها فنفخ الجلد بتلك المواد لا يدوم إلا لأشهر معدودة فقط، ولابد لمستخدمها أن يعاود أخذ تلك الحقن كل فترة، و هكذا تستمر المعاناة للجميع.
من الوسائل الخاطئة التي انتشرت، هي كريمات حماية الجلد من الشمس التي تباع بالمئات، و أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أدوات بنات بلادنا، والسبب خوفهن من الاسمرار جراء التعرض للشمس.
قال موقع “لايف ساينس” إنّ كريم حماية الشمس يجب أن يكسو الجلد تماماً، كي يكون طبقة حامية سميكة. كما أنّ المستخدم الملائم له هو متسلق الجبال، أو من يمارس التزلج على الجليد، بينما الغطاء الأفضل هنا للحماية من الشمس؛ هو لبس القبعة، أو القناع. وذلك لقربهم من الشمس، وموقعهم على ارتفاع هائل عن مستوى البحر، وهنا نتذكر كيف رجّحت النصوص الإسلامية استحباب الغطاء الكامل للوجه؛ لحمايته وهذا يختلف تماما عن المفهوم السائد لدى بناتنا الكريمات، فهل رأيتن كيف يجري استغلالكن!.
وُلِدتْ فتاة جميلة اسمها “ماري آن بيفان” ، وعملت ممرضة، وتزوجت وولدتْ ثمانية أطفال. أصيبت بمرض العرطلة، أو العملقة، وهو اختلال بالغدة النخامية؛ يسبب نمواً فاحشاً للأعضاء، والوجه، ممّا سبّب لها تشوهاً، و تغيُّراً تاماً في الملامح، وألماً بالأطراف.
توفي زوجها، فاضطّرتْ لترك العمل بسبب الألم المزمن. تضوّر أطفالها جوعاً، فلم تجد حلاً إلا أن تدخل مسابقة أبشع امرأة في العالم، ثم عمِلت في سيرك، يقوم الجمهور بالسخرية منها، والاستهزاء. صبرت على هذا كله، لتوفر لقمة العيش لابنائها فقط حتى توفيت على المسرح، إذ لم يتحمّل قلبها الضعيف الاستهزاء، والاستهجان من الجمهور.
فهل تختلف نساء اليوم عن ماري؟!
الشركات، والفراكنشيتات يستهزئن بكن، ويزرعن شعور النقص فيكن، ويزعزعن الثقة بأرواحكن، فحياتكن لن تكتمل ما لم تتبعونا. قد لا تكون “ماري” جميلة المظهر، ولكنها قطعاً ملكةُ جمال الروح، فأي روح تحتمل كل تلك الإساءة والمهانة؛ لأجل هدف نبيل.
فإليكِ أيتها المرأة هذه النصيحة: الزمن قادم لا محالة، ولا يقف مبضع أمهر الجراحين أمامه؛ لذا اِعتني بجمال روحك، وسعادتك، و قبولك لذاتك، و ابتسمي لنفسك، مهما تكاثرت الأقوال حولك.
فإنّ جمال روحك ينعكس على جمال وجهك؛ لا تتحولي إلى ضحية في سيرك