كان ذلك منذ عامين تقريبا .. حيث سبق أن نشرت مقالا موجزا للتعليق على منحنى معروف باسم (دانينج - كروجر) وذلك على حساباتي الشخصية والمجموعات التي أشارك بها في مواقع التواصل الاجتماعي ..
ولم أكن أعلم حقيقة أن المقال سيجد هذا القبول والانتشار الواسع والذي يعبر عن الحاجة إلى مثل هذه النوعية من المعرفة، وعلى رغم مشاهدتي المقال يتم تداوله امامي بتغيير عنوانه تارة، وبنشره دون نسبته لصاحبه تارة اخرى إلا أنني وجدتني ملزما باعادة نشره مرة اخرى بعد اعادة عنوانه الأصلي اليه وبعد مراجعته وتطويره بما يضيف إليه ويزيد من تركيزه على القيمة المرجوة منه، والله المستعان.
" هذا المنحنى البسيط يسمي (تأثير دانينج- كروجر) وقد حصل بمقتضى الدراسة المنتجة له العالمان (دايفيد دانينج) و(جاستن كروجر) على جائزة نوبل في علم النفس عام 2000م.
يوضح هذا المنحنى ببساطة العلاقة بين ثقة الإنسان بنفسه (بالمحور الرأسي) وخبراته او معارفه التراكمية في مجال ما (بالمحور الأفقي).
ويمكننا بقليل من التأمل إيجاز ما يشير إليه المنحنى من ثلاثة جوانب رئيسية:
١- الجانب الأيسر من المنحنى:
يمكن ببساطة ملاحظة أنه في الوقت الذي تكون خبرات الإنسان ومعارفه في مجال ما تساوي (صفر%) فإن ثقته بنفسه تقترب بشكل كبير من (100%).
بما يعني أن الجاهل يسشعر ثقة متناهية لا مثيل لها في آرائه وأفكاره ولا يشك مطلقا في قدراته في هذا المجال وهي مرحلة الوهم القاتل لدى أفراد وكيانات ومنظمات هذا الجزء من المنحنى وهنا بلاشك نجد مقاومة التغيير في صورتها المثالية!
٢- الجزء الأوسط من المنحنى:
يشير هذا الجزء من المنحنى الى انه ومع زيادة معرفة وخبرة الجاهل (سابقا) يبدأ النور يتسرب إلى عقله وقلبه، فتقل ثقته ويزيد لديه الشك في مدى قدرته على الإحاطة بالأمور من حوله الى الحد الأدنى لها فيتولد لديه قدر من الثقة الحقيقية النابعة من علم وإدراك حقيقي ويتبدد الوهم تباعا!
٣- الجانب الايمن من المنحنى:
في هذا الشق العجيب من يمين المنحنى نجد ذلك الإنسان مكتمل المعرفة والخبرة بأحد المجالات لا تتعدى ثقته بنفسه نسبة (70%)، إذ يظل العالم أوالخبير هنا قلقا للغاية ويستشعر أن شيئا ما لازال غائبا عنه ويدرك مدى ضعفه تجاه الإدراك الكامل لماهية الأمور والإحاطة بكاملها.
وهو ما يمكن ببساطة أن تجده في تواضع العلماء ذوي النبوغ والنجابة وفي الخبراء الحقيقيين ذوي التجارب والممارسات!
من وجهة نظري ومن واقع ممارسات عملية في عشرات من المنظمات بقطاعات مختلفة محليا وإقليميا ودوليا، فإنني أكاد اجزم أن ذلك المنحنى يمكننا سريعا من إدراك ذلك التنوع العجيب في الافراد والكيانات والمنظمات!
فمن جهة يقف البعض منهم مع التغيير مرحبا وراغبا في التعلم والتطور وساعيا لإدراك الفجوات لديه ثم التوافق ثم المشاركة في صناعة التغيير، ومن جهة ثانية يقف البعض الآخر مقاوما التغيير لأنه يوقن بأهلية ما يملك من معارف وخبرات فذة فيستهين بأي جديد يصله ويشحذ سيفه سريعا للقضاء عليه!
ولنصارح انفسنا كذلك .. فعلى المستوى الشخصي لكل منا لا يجب ان ننكر أننا يوما ما كان الوهم بالثقة الكاملة مسيطرا علينا للغاية!
وكان اعتقاد الواحد فينا جازما بأن ما يعلمه وما يقوله للآخرين هو صواب مطلق لا ريب فيه!
ثم ما لبث هذا الوهم أن تبدد بزيادة معارفنا وخبراتنا وامتلاكنا لقدر من الثقة غير الكاملة ولكنها (حقيقية)!
ولا يزال تواضعنا يزداد يوما بعد يوم أمام ما نتعلمه في حياتنا، حيث نتيح - دون أن نشعر - المجال للنور أن يسطع في عقولنا وان يفتح طاقة واسعة لكل جديد في نفوسنا، ليجد سبيلا ملائما في توجهاتنا، وبهذا نرتقي ونرقى ثم نؤثر ونقود!