قيمةُ الإنسان لا تبرُز إلا عند فقدهِ ، كُنت لا أتفق ولا أؤمن بهذه المقولة ، حتى فقدتُ إنساناً واراه الثَّرى ، وكنتُ على انقطاعٍ مُستمر تجاهه قُبَيل فقْدهِ ، وعندما فقدْته ، آمنت بتلك المقولة بكلِ ما تضمَّنت من معانٍ وأحرف .
كان ذلك الإنسانُ مُختلفاً عن البقية ، وكنتُ مُقصِّراً في حقِّه كثيراً ، حتى تَشَتتت رابطتُنا نسْبيًّا ، فكان هو المُبادر دائماً بكُل تصرُّفٍ ، أجدُبَ نفسي حينما أتذكر تلك اللَّحظات التي كان يُقدِّرني فيها رُغم عدم مُبالاتي ، وعلى الرُغمِ بأننا كُنا بمثابةِ جسدٍ واحدٍ مُنذُ البدايةَ ، إلا أنَّ القدر قد وقَع بأن أتفادى عن موطِنه ، تناسيْتهُ ولم أنسه ، ولم أشعُر بقيمَتهِ حتى فقدْته .
تلقيْتُ خبر وفاتِه فتداركتُه ، وبعد أن شُيَّع جُثمانَه الطاهر ، لم تستَطِع عيْنايَ تَحمُل ذلك الموْقف ، فتصبَّبت عَينايَ بما حمَلت من دمُوع ، وفِكري يَستَرد ما حفِظَ من ذكرَياتهِ المؤرشفة ، ونفْسي تكْمُن القوْل فيها ، قائلةً ( أجهَش بالبُكاء .. فَقَد فاتَ الأوان ) .
أنا لم أعد أنا ذلك الذي كان لا يُبالي كثيراً ، والمُتجاهِل الذي لا يُقدِّر محاسِنَ المَواقِف ، خمسةُ أشهُرٍ وأنا لم أعُد أنا فمَواقفهُ ترِدُ على البَال في كُل حِين ، أنا لم أعد أنا فَلَم أعُد أطِيقُ شيئاً ، تَبلَّد الشُعورُ ، ومَات الإحساسُ ، وتشوّب الضَّميرُ ، فَقَد كانَ جزءًا مِنِّي رُغم تقْصيرِي .. تشَبَّعي يا وِسادَتي من دُموعِ عَيْنيَّ ، عتباً ولَوماً على نفْسي فقَد تخلَّدت موَاقِفهُ ، التي لا تُمحَى من ذاكرتي ، ولا تُنسى ما حَييتُ ، تجنَّبْني يا ندم ، ألا ليتَ الندمُ قبلَ موتِهِ ، تيقَّنتُ أنَّ الإنسانُ لا يَشعُرُ بِعَظيم نِعَمِهِ إلا بعد فقْدِها ، "فما أوْقح الخِلافات ، وما أحْقرَ البُعد " إرجعي يا نفسُ كما كُنتِ فَلن يُفيدَ ذلك فقيدُك بِشيء .
لم ولن أنساك بعيداً عنِ الحُزن ، وسلاماً على روحِك الطاهِرةُ حتى يَفنى السلامُ راجياً رؤيتك في موطنٍ لا قمر ولا شمس فيه .
1 comment
1 ping
Halima alghamdi
29/12/2018 at 1:41 م[3] Link to this comment
راق لي ما قرأت هنا ،رائع