ذكر علماء الجينات الوراثية بأن الصفات المشتركة في الجينات بين البشر تتطابق بنسبة 99,9% من حيث الخلقة والجسم وبقية أجزائه ، وأما الواحد بالعشرة المتبقي فأين يكمن الخلاف فيه ؟ وقالوا هذا الواحد يكمن في النفس حيث يختلف الإنسان عن إنسان آخر بالخيال والشعور والذوق العام والمعرفة والعلم فهذا يُحبّ الموسيقى وذاك يُحبّ السفر وآخر يُحبّ العزلة ... وهكذا تتنوع اختيارات الإنسان في هذا الجزء الضئيل جداً جداً بالإنسان ونسبة اختلافه هي واحد بالألف عن بقية البشر فهناك من يهوى الجانب المادي للحياة وآخر يهوى الجانب الروحي ويبقى الاختلاف قائماً مادام الإنسان حيّاً يُرزق ، وهنا قضية اجتماعية سلوكية عامة وشائكة نوعاً ما تطرح نفسها وتؤكد هذه المعطيات العلمية الحديثة التي ذكرناها آنفاً ، وهي أنّ النفس البشرية لا تستقر إلا بمزيج متوازن بين الناس من خلال لقاءاتهم واجتماعاتهم ، ونلمس هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في (قروبات التواصل الاجتماعي ) فنجد قروب خاص بالأدباء أو الكتّاب أو للمحامين أو للقضاة أو للمتقاعدين وهكذا وقد تتطابق الصفات المهنية وتتشابه ولكن تختلف الأذواق والنفسيّات فيكون التوازن الاجتماعي هو هذا التقبل من كل طرف للطرف الآخر بما يراه الأول مخالفاً له ببعض الصفات أو بغيرها من التوجهات الأخرى ، ولو وضعنا ميزان لذلك لقلنا : كلّ إنسان لديه (24) قيراط من الرغبات والتذوق ، ولكن بنسب متفاوتة وملحوظة فنجد مثلاً أن أحدهم لديه (15) قيراط اهتمام وتوجه روحي و(1) قيراط لحبّ السفر والتجوال وحبّ الطبيعة (4) قراريط اهتمام بآراء الآخرين والأربعة الأخيرة اهتمام بالماديات ....ومن هذا الافتراض النسبي نستخلص قولا أو سؤالاً : من هو الأصح منهما ؟ هل من يهتم بالجانب الروحي ، أو بالذي تتصدر قائمة اهتماماته الجانب المادي من هو الصح ومن هو المخطئ ؟ لأنّ اختلاف هذه النسب هي سبب تقارب أو ابتعاد الناس من بعضهم فأيهما الأصح ؟ والحقيقة أعتقد بأنه لا يوجد بينهما لا صح ولا خطأ لأنّ طبيعة البشر كذلك والاختلاف الفكري والذوقي والمنهجي هو القاعدة ، وكلُّ إنسان ترسو نفسه على معايير يراها هي الأصوب والأمثل وهي ما يناسب أسلوبه بالحياة ، فحين نستشعر بهذه الخاصيّة وهذا المبدأ فإننا نضع أنفسنا بالاتجاه الصحيح في معترك وخضم العلاقات الاجتماعية بشكل عام والأسرية بشكل خاص وهي بأن يترك الإنسان للطرف الآخر حرية اختيار ما يريد ويرغب ولا يعتبره نقصاً أو عيباً لأنّ الأول يُحب هذا التصرف والآخر لا يحبه
فلا تزن تصرفات الآخر بميزان ما تحبّ أنت لأنّ لكل إنسان ميزان خاص به فما هو مقبول لدى أحد قد يكون مرفوضاً لدى الآخر و ما تراه مبالغاً فيه قد يراه الآخر شيء طبيعي ، وهذا هو الأمر الطبيعي بين البشر وأقول للخروج من هذا المأزق الاجتماعي ، هو أن يتقبل الإنسان من الآخر تصرفه بهدوء وعدم الاعتراض العلني ويوجد له العذر على تصرفه وهناك مليون سبب يجعل كلَّ إنسان يختلف عن البقية والإنسان الحكيم هو الذي يبتعد عن انتقاد الآخرين ملتمساً لهم الأعذار في (خروجهم عن نصه المعتاد ) فيوفر على نفسه التوتر ويقرّب الآخرين إليه بدل أن ينفرهم في خلافات لا تستحق أن يقضي حياته في خضمها .....