من أبرز المشكلات التي تحد من تنامي السياحة في الدول النامية ذات المميزات السياحية عدم قدرتها على الانفكاك من قيود السياحة التقليدية وصولاً إلى سياحة مستدامة، والفرق كبير بين النمطين؛ حيث إن التقليدية تظل عشوائية سريعة وقصيرة الأجل، تركز على إمكاناتها الطبيعية مع تقديم خدمة إيوائية متواضعة، زيادة على ذلك يسود فيها ضعف الوعي السياحي مما ينجم عنه عدم قدرتها على الاستفادة المثلى من مزاياها السياحية، ومن ثم بطء تطور السياحة فيها، على العكس في الجانب الآخر السياحة المستدامة؛ إذ إنها طويلة الأجل تعتمد على الكيف وترتكز على التخطيط الشامل والمتكامل والمدروس وتتحقق عمليات التنمية بواسطة السكان المحليين بالتعاون مع الجهات الحكومية التي تلتزم بالتنظيم وتوفير الأمن وتهيئة البنية التحتية بشكل يسهل إنجاز البنية الفوقية من خدمات متنوعة يحتاجها السياح.
ومن هنا نلحظ أن الدول المتمرسة في السياحة تهتم كثيراً بتنمية مواردها البشرية لخدمة النشاط السياحي من خلال التدريب العلمي والعملي المتقن، فضلاً عن تكريس الاهتمام برفع مستوى الثقافة السياحية لجميع شرائح المجتمع، وينسحب ذلك على اهتمام السكان بكل ما من شأنه تحقيق التنامي والتطور السياحي، والمحافظة على كل المقدرات من متنزهات ومبانٍ تراثية ومواقع أثرية والمعاملة اللطيفة مع الزوار، لكون السياحة مكوناً اقتصاديّاً مهمّاً ورافداً ماليّاً يرفع من مستوى الدخولات الأسرية، ولا يمكن إغفال الترويج والتسويق السياحي على أسس علمية باستثمار كل الوسائل الإعلامية التقليدية مقروءة ومسموعة ومرئية ووسائل الإعلام الحديثة.
والسياحة بوصفها صناعة ناجحة ومضمونة الأرباح، فمن الضروري التخطيط الجيد لها ومعرفة احتياجات الزوار من خلال استطلاع آرائهم ورغباتهم.
وعند مقارنة السياحة الداخلية بالخارجية، تزداد عبارات التذمر «على السياحة الداخلية» كونها لم تتمكن من المجاراة، رغم توفر المقومات السياحية من ظروف طبيعية وعوامل مناخية ومواقع تراثية وأثرية حيث اتساع الرقعة الجغرافية للمملكة ووجود التمايز في الطبيعة كالسواحل والصحاري والجبال والغابات والمواقع الأثرية الضاربة في القدم والتراثية من مبان عمرانية ذات تصاميم لافتة وقلاع وكذلك العادات والتقاليد الثقافية المتمثلة في أنواع الرقصات الفلكلورية والأكلات الشعبية وغيرها.
والسياحة يختلف مفهومها بحسب عدد من التعريفات، حيث يصفها بعضهم بأنها عمليات اقتصادية متداخلة، في حين يقول آخر إنها جميع الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، وثالث يقول بأنها حركة الأشخاص الذين يبتعدون عن مقر إقامتهم، ورابع يرى السياحة بأنها نشاط ترفيهي يشمل السفر أو الإقامة بعيداً عن الوطن.
لذلك فإن شيئين مهمين ينبغي تكريس الاهتمام بهما؛ أولاً: مشاركة الجامعات السعودية في تقديم الدراسات والأبحاث المتعلقة بتطوير السياحة الداخلية ومشاركة عدد من المؤسسات التعليمية والأندية الرياضية والثقافية في رفع مستوى الوعي السياحي لدى السكان، وضرورة التعاون مع الهيئة العامة للسياحة والتراث حيث لديها عديد من الخطط والبرامج في هذا الشأن، إلا أن هذا لا يكفي أبداً ما لم يكن العمل جمعيّاً مع ضرورة فتح كليات وأقسام تعنى بالسياحة، ثانياً: الاهتمام بالموجودات من صناعات تقليدية وتراث وآثار، ومشاركة رجال الأعمال الفاعلة فهم الذراع القوية لتنمية السياحة بالمساهمة الفعلية في إقامة المشاريع والمرافق الجاذبة للسياح.
ولو أخذنا شريحة محدودة «منطقة الباحة» الواقعة في الجنوب الغربي من المملكة، وهي ذات تميز مناخي وطبيعي وتراثي إلا أن هذا لا يكفي حيث إن الفرص الاستثمارية متوفرة في هذا القطاع الحيوي والمهم، إلا أنه مع الأسف الشديد ما زال دور كثير من رجال الأعمال ضعيفاً بل مغيباً تماماً رغم توفر المحفزات الاستثمارية، وحتى نكون منصفين هناك بعض رجال الأعمال وهم قلة ساهموا في توفير دور للإيواء من منتجعات وفنادق؛ إلا أنها لا تكفي ولا تتواءم مع التزايد في أعداد السياح من كل مناطق المملكة ودول الخليج، حيث سجلت إحصائية في العام الماضي وصول ما يقارب المليون سائح لمنطقة الباحة، مما يؤكد أن أعداد الزوار والسياح تتزايد سنة بعد أخرى ولربما الظروف المحيطة بالدول المجاورة وما يكتنفها من قلاقل وحروب وانعدام الأمن ساهم أيضاً في زيادة نسبة السياح للمنطقة الجنوبية، وهنا يتطلع المواطنون إلى مشاركة رجال الأعمال جنباً إلى جنب مع المصالح الحكومية في توفير ما يحتاج السائح من خدمات إضافية كالملاهي والمطاعم والمقاهي والعربات المعلقة وغيرها، وكذلك الطرق المريحة والمتنزهات المنظمة.
تعد السياحة من أكبر المجالات نموّاً في العالم، وتستوعب أعداداً كبيرة من الأيدي العاملة كما توفر مقداراً جيداً من العملة الصعبة، فضلاً عن كونها جسراً لتواصل الثقافات الإنسانية وتقارب الحضارات.
السياحة لا تقل أهمية عن أنفَس الثروات المعدنية، بل هي أهم لكونها تتميز بصفة الديمومة في حين المعادن قابلة للنفاد والنضوب، السياحة الناجحة تحتاج إلى تخطيط وترويج وتسويق وتفاعل إيجابي من القطاعين العام والخاص.